سورة الأعراف - تفسير تفسير الثعلبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأعراف)


        


{هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (189) فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (190) أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ (191) وَلَا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (192) وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَتَّبِعُوكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ (193) إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (194) أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلَا تُنْظِرُونِ (195)}
{هُوَ الذي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ} يعني آدم عليه السلام {وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا} خلق منها حواء {لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا} يستأنس إليها ويأوي إليها لقضاء حاجته {فَلَماَّ تَغَشَّاهَا} واقعها وجامعها {حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً} وهو ماء الرجل خفيف عليها {فَمَرَّتْ} أي استمرت {بِهِ} وقامت وقعدت ولم تكترث بحملها، يدل عليه قراءة ابن عباس: فاستمرت به.
وقال قتادة: {فمرّت به} أي استبان حملها. وقرأ يحيى بن يعمر {فمرت} خفيفة الراء من لمرية أي: شكّت أحملت أم لا؟ {فَلَمَّآ أَثْقَلَتْ} أي كبر الولد في بطنها وتحرك وصارت ذات ثقل بحملها كما يقال: أثمر إذا صار ذا ثمر {دَّعَوَا الله رَبَّهُمَا} يعني آدم وحواء {لَئِنْ آتَيْتَنَا} ياربنا {صَالِحاً}.
قال الحسن: غلاماً ذكراً. وقال الآخرون: بشراً سويّاً مثلنا {لَّنَكُونَنَّ مِنَ الشاكرين} وذلك أنهما أشفقا أن يكون بهما أو شيئاً سوى آدمي أو غير سوي.
قال الكلبي: إن إبليس أتى حواء في صورة رجل لما أثقلت في أول ما حملت فقال: ما هذا الذي في بطنك قالت: ما أدري، قال: إني أخاف أن يكون بهيمة، فقالت ذلك لآدم، فلم يزالا في نِعَم من ذلك ثمّ عاد إليها فقال: إني من الله منزّل فإن دعوت الله فولدت انساناً أتسميّنه فيّ قالت: نعم، قال: فإنّي أدعو الله فأتاها وقد ولدت فقال: سميه باسمي، فقالت: وما اسمك؟ قال: الحارث، ولو سمّى نفسه لعرفته فسمته عبد الحارث.
وقال سعيد بن جبير: لما هبط آدم وحواء عليهما السلام الأرض أُلقيت الشهوة في نفس آدم فأصابها فحملت فلما تحرك ولدها في بطنها جاءها إبليس فقال ما هذا ماترين في الأرض إلاّ ناقة أو بقرة أو ضاينة أو كاجزة أو نحوها فما يدريك ما في بطنك لعله كلب أو خنزير أو حمار وما يدريك من أين يخرج أمن دبرك فيقتلك أو أذنك أو عينيك أو فيك أو يشق بطنك فيقتلك، فخافت حواء من ذلك قال: فأطيعيني وسميه عبد الحرث. وكان اسمه في الملائكة الحرث، تلدين شبيهكما مثلكما، فذكرت ذلك لأدم فقال: لعلّه صاحبنا الذي قد علمت، فعاودها إبليس فلم يزل بهما حتّى غرهما فسمّياه عبد الحرث.
قال السدي: ولدت حواء غلاماً فأتاها إبليس فقال سموه بي وإلاّ قتلته، قال له آدم: قد أطعتك فأخرجتني من الجنّة، فأبى أن يطيعه فمات الغلام، فحملت بآخر فلما ولدته قال لهما مثل ذلك فأبيا أن يطيعاه، فمات الولد، فحملت بآخر فأتاهما وقال لهما: إذ غلبتماني فسمياه عبد الحرث، وكان اسم إبليس الحرث.
ولم يشعروا به فوالله لا أزال أقتلهم حتّى تسمياه عبد الحرث. كما قتلت الأول والثاني فسمياه عبد الحرث فعاش.
وقال ابن عباس: كانت حواء تلد لآدم فتسميه عبد الله وعبيد الله وعبد الرحمن ونحو ذلك فيصيبهم الموت فأتاهما إبليس فقال: إن وعدتكما أن يعيش لكما ولد فسمياه عبد الحرث فولدت ابناً فسمياه عبد الحرث ففيهما أنزل الله عزّ وجلّ {فَلَمَّآ آتَاهُمَا صَالِحاً} أي ولداً بشراً سوياً حياً آدمياً {جَعَلاَ لَهُ شُرَكَآءَ}.
قرأ ابن عباس وسعيد بن جبير وأبان بن ثعلب وعاصم وعكرمة وأهل المدينة شركاء بكسر الشين والتنوين أي شركه.
قال أبو عبيدة: أي حظاً ونصيباً من غيره، وقرأ الباقون شركاء مضمومة الشين ممدودة على جمع شريك أخبر عن الواحد بلفظ الجمع، لقوله تعالى: {الذين قَالَ لَهُمُ الناس إِنَّ الناس قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ} [آل عمران: 173] مفرداً، تم الكلام هاهنا ثمّ قال: {فَتَعَالَى الله عَمَّا يُشْرِكُونَ} يعني أهل مكة.
واختلف العلماء في تأويل الشرك المضاف إلى آدم وحواء فقال المفسرون: كان شركاء في التسمية والصفة لا في العبادة والربوبية.
وقال أهل المعاني: أنهما لم يذهبا إلى أن الحرث ربهما بتسميتهما ولدهما عبد الحرث لكنهما قصدا إلى أن الحرث سبب نجاة الولد وسلامة أُمّه فسمياه، كما يُسمى ربّ المنزل، وكما يسمي الرجل نفسه عبد ضيفه على جهة الخضوع له لا على أن الضيف ربّه.
كما قال حاتم:
وإنّي لعبد الضيف ما دام ثاوياً *** وما فيّ إلاّ تلك من شيمة العبد
وقال قوم من أهل العلم: إن هذا راجع إلى المشركين من ذرية آدم وإن معناه جعل أولادهما له شركاء فحذف الأولاد وأقامهما مقامهم كقوله تعالى: {وَسْئَلِ القرية} [يوسف: 82] وكما أضاف فعل الآباء إلى الأبناء في تفريقهم بفعل آبائهم، فقال لليهود الذين كانوا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمّ اتخذتم العجل من بعده. وقال: {وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فادارأتم فِيهَا} [البقرة: 72]. وقال سبحانه: {فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَآءَ الله} [البقرة: 91] ونحوها، ويدل عليه ما روى معمر عن الحسن قال: عني بهذا من أشرك من ذرية آدم ولم يكن عنى آدم.
وروى قتادة عنه قال: هم اليهود والنصارى رزقهم الله أولاداً فهودوا ونصّروا.
وقال ابن كيسان: هم الكفار جعلوا لله شركاء عبد العزى وعبد مناة.
وقال عكرمة: لم يخص بها آدم ولكن جعلها عامة لجميع بني آدم من بعد آدم.
قال الحسين بن الفضل: وهذا حجب إلى أهل النظر لما في القول الأول من إلصاق العظائم بنبي الله آدم عليه السلام ويدل عليه جمعه في الخطاب حيث قال: {هُوَ الذي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ}، ثمّ قال: {فَلَماَّ تَغَشَّاهَا} انصرف من ذلك الخطاب إلى الخبر يعني فلما تغشى الرجل منكم امرأته.
قال الله عزّ وجلّ: {أَيُشْرِكُونَ} يعني كفار مكة {مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ} يعني الأصنام.
قال ابن زيد: ولد لآدم ولد فسمياه عبد الله فاتاهما إبليس فقال: ما سميتما ابنكما هذا؟
قال: وكان ولد لهما قبل ذلك ولد سمياه عبد الله فمات فقالا: سميناه عبد الله، فقال إبليس: أتظنان أن الله تارك عبده عندكما لا والله ليذهبن كما ذهب الآخر، ولكن أدلكما على اسم يبقى لكما ما بقيتما فسمياه عبد شمس.
فذلك قوله: {أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ}. الشمس لا تخلق شيئاً حتّى يكون لها عبداً إنّما هي مخلوقة قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خدعهما مرتين خدعهما في الجنّة وخدعهما في الأرض».
والذي يؤيد القول الأول قراءة السلمي: أتشركون بالتاء.
{وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً وَلاَ أَنْفُسَهُمْ يَنصُرُونَ * وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى الهدى} يعني الأصنام {لاَ يَتَّبِعُوكُمْ} لأنها غير عاقلة {سَوَآءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ} ساكتون {إِنَّ الذين تَدْعُونَ مِن دُونِ الله عِبَادٌ} مخلوقة مملوكة مقدرة مسخرة {أَمْثَالُكُمْ} أشباهكم {فادعوهم فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} أنّها آلهة.
{أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَآ أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَآ} يأخذون بها {أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَآ أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ادعوا شُرَكَآءَكُمْ} يامعشر المشركين {ثُمَّ كِيدُونِ} أنتم وهم {فَلاَ تُنظِرُونِ}.


{إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ (196) وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (197) وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَسْمَعُوا وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (198) خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (199) وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (200) إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ (201) وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ (202) وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قَالُوا لَوْلَا اجْتَبَيْتَهَا قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (203) وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (204) وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ (205) إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ (206)}
{إِنَّ وَلِيِّيَ الله الذي} يعني الذي يحفاني ويمنعني منكم الله {نَزَّلَ الكتاب وَهُوَ يَتَوَلَّى الصالحين * والذين تَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ ولا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ * وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى الهدى لاَ يَسْمَعُواْ وَتَرَاهُمْ} يامحمد يعني الأصنام {يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ} وهذا كما يقول العرب: داري ينظر إلى دارك أي يقابلها.
ويقول العرب: إذا أتيت مكان كذا فنظر إليك الحمل فخذ يميناً وشمالاً أي: استقبلك.
وحدث أبو عبيدة عن الكسائي قال: الحائط ينظر إليك إذا كان قريباً منك حيث تراه. ومنه قول الشاعر:
إذا نظرت بلاد بني تميم *** بعين أو بلا بني صباح
وسمعت أبا القاسم الحبيبي يقول: سمعت أبا زكريا العنبري يقول: معناه: وتراهم كأنهم ينظرون إليك كقوله: {وَتَرَى الناس سكارى} [الحج: 2] أي كأنهم سكارى وإنّما أُخبر عنهم بالهاء والميم، لأنّها مصوّرة على صورة بني آدم مخبرة عنها بأفعالهم.
{خُذِ العفو} قال مجاهد: يعني العفو من أخلاق الناس وأعمالهم بغير تخميس.
قال ابن الزبير: ما أنزل الله تعالى هذه الآية إلاّ في أخلاق الناس.
وقال ابن عباس والسدي والضحاك والكلبي: يعني ماعفا لك من أموالهم وهو الفضل من العيال والكل فما أتوك به عفواً فخذه ولا تسألهم ما ذرأ ذلك.
وهذا قبل أن ينزل فريضة الصدقات. ولما نزلت آية الصدقات نسخت هذه الآية وأمر بأخذها منهم طوعاً وكرهاً {وَأْمُرْ بالعرف} أي بالمعروف. قرأ عيسى بن عمر: العُرُف ضمتين مثل الحُلُم وهما لغتان والعرف المعروف والعارفة كل خلصة حميدة فرضتها العقول وتطمئن إليها النفوس. قال الشاعر:
من يفعل الخير لا يعدم جوازيه *** لا يذهب العرف بين الله والناس
قال عطاء: وأمر بالعرف يعني لا إله إلاّ الله {وَأَعْرِضْ عَنِ الجاهلين} أبي جهل وأصحابه نسختها آية السيف. ويقال لما نزلت هذه الآية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبرئيل: «ما هذه؟ قال: لا أدري حتّى أسأل، ثمّ رجع فقال: يا محمد إن ربّك يأمرك أن تصل من قطعك، وتعطي من حرمك، وتعفو عمن ظلمك» فنظم الشاعر فقال:
مكارم الأخلاق في ثلاث *** من كملت فيه فذاك الفتى
إعطاء من يحرمه ووصل من *** يقطعه والعفو عمن عليه اعتدى
قال جعفر الصادق: أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بمكارم الأخلاق وليس في القرآن آية أجمع لمكارم الأخلاق من هذه الآية.
قال النبيّ صلى الله عليه وسلم (....). وقالت عائشة: مكارم الأخلاق عشرة: صدق الحديث. وصدق البأس في طاعة الله. وإعطاء السائل. ومكافأة الصنيع. وصلة الرحم. وأداء الأمانة. والتذمم للصاحب. والتذمم للجار وقرى الضيف ورأسهن الحياء.
أنشدنا أبو القاسم الحسن بن محمد المذكور أنشدنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الصفار، أنشدنا ابن أبي الدنيا أنشدني أبو جعفر القرشي:
كل الأمور تزول عنك وتنقضي *** إلاّ الثناء فإنه لك باق
لو أنني خُيّرتُ كل فضيلة *** ما اخترت غير مكارم الأخلاق
قال عبد الرحمن بن زيد: لما نزلت هذه الآية قال النبي صلى الله عليه وسلم: «كيف يارب والغضب فنزل {وَإِماَّ يَنَزَغَنَّكَ مِنَ الشيطان}» يعني يصيبنك ويفتننك ويغرنك ويعرض لك من الشيطان {نَزْغٌ} وأصله الولوع بالفساد والشر.
يقال نزغ عرقه إذا جُنَّ وهاج، وفيه لغتان: نزغ ونغز، يقال: إياك والنزاغ والنغاز وهم المورشون.
وقال الزجاج: النزغ أدنى حركة تكون من الإنسان ومن الشيطان أدنى وسوسة، وقال سعيد ابن المسيب: شهدت عثمان وعلياً وكان بينهما نزغ من الشيطان فما أبقى واحد منهما لصاحبه شيئاً ثمّ لم يبرحا حتّى استغفر كل واحد منهما لصاحبه {فاستعذ بالله} فاستجر بالله {إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * إِنَّ الذين اتقوا} يعني المؤمنين {إِذَا مَسَّهُمْ} أصابهم {طَائِفٌ مِّنَ الشيطان} قرأ النخعي وابن كثير وأبو عمرو والأعمش وابن يزيد والجحدري وطلحة: طيف، وقرأ الباقون: طائف، وهما لغتان كالميت والمائت، ومعناهما الشيء الذي بكم بك وفرق قوم بينهما.
فقال أبو عمرو: الطائف ما يطوف حول الشيء والطيف اللمة والوسوسة الخطرة. وقال بعض المكيين: الطائف ما طاف به من وسوسة الشيطان والطيف اللحم والمس. ويجوز أن يكون الطيف مخفّفاً عن طيّف مثل هيّن وليّن. يدل عليه قراءة سعيد بن جبير: طيّف بالتثقيل.
وقال ابن عباس: {إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشيطان} أي نزغ من الشيطان.
وقال الكلبي: ذنب. وقال مجاهد: هو الغضب.
{تَذَكَّرُواْ} وتفكروا وعرفوا، وقال أبو روق: ابتهلوا، وفي قراءة عبد الله بن الزبير: إذا مسهم طائف من الشيطان فأملوا.
قال سعيد بن جبير: هو الرجل يغضب الغضبة فيذكر الله فيكظم الغيظ، ليث عن مجاهد: هو الرجل هم بالذنب فيذكر الله فيدعه. وقال السدي: معناه إذا زلوا تابوا. وقال مقاتل: إن المتقي إذا أصابه نزغ من الشيطان تذكر وعرف أنها معصية فأبصرها ونزغ من مخالفة الله {فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ} ينظرون مواضع خطيئتهم بالتفكر والتدبر يمرون فيقصرون، فإنّ المتّقي مَنْ يشتهي [.......] ويبصر فيقصر، ثم ذكر الكفار فقال: {وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغي} يعني إخوان الشيطان وهم الكفار يمدهم الشياطين في الغي حتى يطبلوا لهم ويزيدوهم في الضلالة.
وقرأ أهل المدينة: يمدونهم بضم الياء وكسر الميم وهما لغتان بمعنى واحد. وقرأ الجحدري بما دونهم على يفاعلونهم.
{ثُمَّ لاَ يُقْصِرُونَ} أي لا يشكون ولا ينزغون. وقال ابن زيد: لا يسأمون ولا يفترون.
قال ابن عباس: لا الإنس يقصرون عما يعملون من السيئات ولا الجن ممسك عنهم.
وقرأ عيسى بن عمر: يَقصُرون بفتح الياء وضم الصاد وقصَر وأقصَر واحد {وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ} يامحمد يعني المشركين {بِآيَةٍ قَالُواْ لَوْلاَ اجتبيتها} أي هلاّ أقلعتها وأنشأتها من قبل نفسك واختيارك، قاله قتادة، وقال مجاهد: لولا اقتضيتها وأخرجتها من نفسك.
وقال ابن زيد: لولا يقبلها لجئت بها من عندك.
وقال ابن عباس: لولا تلقيتها من عندك، أيضاً لولا حدثتها فأنشأتها. قال العوفي عن ابن عباس: فنسيتها وقلتها من ربّك.
وقال الضحاك: لولا أخذتها أنت فجئت بها من السماء، قال الفراء: تقول العرب: جئت الكلام وأخلقته وارتجلته وانتحلته إذا افتعلته من قبل نفسك.
قال ابن زيد: إنّما يقول العرب ذلك الكلام بتهدئة الرجل ولم يكن قبل ذلك أعده لنفسه {قُلْ} يا محمد {إِنَّمَآ أَتَّبِعُ مَا يوحى إِلَيَّ مِن رَّبِّي} ثمّ قال: {هذا} يعني القرآن {بَصَآئِرُ} حجج وبيان وبرهان {مِن رَّبِّكُمْ} واحدتها بصيرة. وقال الزجاج: طرق من ربكم، والبصائر طرق الدم.
قال الجعفي:
راحوا بصائرهم على أكتافهم *** وبصيرتي يعدو بها عتد وآي
تعدّوا عداوي وأصلها ظهور الشيء وقيامه واستحكامه حتّى يبصر الانسان فيهتدي إليها وينتفع بها، ومنه قيل: ما لي في الأمر من بصيرة و{وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ * وَإِذَا قُرِئَ القرآن فاستمعوا لَهُ وَأَنصِتُواْ} قال عبد الله بن مسعود: كنا نسلم بعضنا على بعض في الصلاة سلام على فلان وسلام على فلان فجاء القرآن: {وَإِذَا قُرِئَ القرآن فاستمعوا لَهُ وَأَنصِتُواْ} يعني في الصلاة وقال أبو هريرة: كانوا يتكلّمون في الصلاة فأتت هذه الآية وأُمروا بالإنصات.
وقال الزهري: نزلت هذه الآية في فتى من الأنصار كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كلما قرأ شيئاً قرأه، فنزلت هذه الآية.
وروى داود بن أبي هند عن بشير بن جابر قال: صلّى ابن مسعود فسمع ناساً يقرأون مع الإمام فلما انصرف قال: أما آن لكم أن تفقهوا، أما آن لكم أن تعقلوا {وَإِذَا قُرِئَ القرآن فاستمعوا لَهُ وَأَنصِتُواْ} كما أمركم الله.
وروى الحريري عن طلحة بن عبيد الله بن كريز قال: رأيت عبيد بن عمير وعطاء بن أبي رباح يتحدّثان والقارئ يقرأ فقلت: ألا تستمعان إلى الذكر وتستوحيان الموعود، قال: فنظرا إلي ثمّ أقبلا على حديثهما، قال: فأعدت الثانية فنظرا لي فقالا: إنّما ذلك في الصلاة: {وَإِذَا قُرِئَ القرآن فاستمعوا لَهُ وَأَنصِتُواْ}.
وروى زيد بن أسلم عن أبيه عن أبي هريرة قال: نزلت هذه الآية في رفع الأصوات وهم خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة.
وقال الكلبي: وكانوا يرفعون أصواتهم في الصلاة حتّى يسمعون ذكر الجنّة والنار فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال قتادة: كانوا يتكلمون في الصلاة بحوائجهم في أول ما فرضت عليهم، وكان الرجل يأتي وهم فى الصلاة فيسألهم كم صليتم؟ كم بقي؟ فأنزل الله عزّ وجلّ هذه الآية.
وقال ابن عباس: إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ في الصلاة المكتومة وقرأ أصحابه وراءه رافعين أصواتهم فخلطوا عليه فنزلت هذه الآية.
وقال سعيد بن المسيب: كان المشركون يأتون رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلّى فيقول بعضهم لبعض بمكّة: لا تستمعوا لهذا القرآن والغوا فيه فأنزل الله جواباً لهم {وَإِذَا قُرِئَ القرآن}.
قال سعيد بن جبير، ومجاهد، وعطاء، وعمرو بن دينار، وزيد بن أسلم، والقاسم بن يسار، وشهر بن حوشب: هذا في الخطبة أمر بالإنصات للإمام يوم الجمعة.
قال عبد الله بن المبارك: والدليل على حكم هذه الآية في الجمعة إنّك لا ترى خطيباً على المنبر يوم الجمعة يخطب، فأراد أن يقرأ في الخطبة آية من القرآن إلاّ قرأ هذه الآية قبل فواة قراءة القرآن.
قال الحسن: هذا في الصلاة المكتوبة وعند الذكر. وقال مجاهد وعطاء: وجب الإنصات في اثنين عند الرجل يقرأ القرآن وهو يصلّي وعند الإمام وهو يخطب.
وقال عمر بن عبد العزيز: الإنصات لقول كل واعظ والإنصات الإصغاء والمراعاة.
قال الشاعر:
قال الإمام عليكم أمر سيّدكم *** فلم نخالف وأنصتنا كما قالا
وقال سعيد بن جبير: هذا في الإنصات يوم الأضحى ويوم الفطر ويوم الجمعة وفيما يجهر به الإمام.
قال الزجاج: ويجوز أن يكون معنى قوله: {فاستمعوا لَهُ وَأَنصِتُواْ} اعملوا بما فيه لا تجاوزوه، لأن معنى قول القائل: سمع الله: أجاب الله دعاءك.
{واذكر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ} قال ابن عباس: يعني بالذكر القراءة في الصلاة {تَضَرُّعاً} جهراً {وَخِيفَةً} {وَدُونَ الجهر} دون رفع القول في خفض وسكوت يسمع من خلفك.
وقال أهل المعاني: واذكر ربّك اتعظ بالقرآن وآمن بآياته واذكر ربّك بالطاعة في ما يأمرك {تضرّعاً} تواضعاً وتخشّعاً {وخيفة} خوفاً من عقابه، فإذا قرأت دعوت بالله أي دون الجهر: خفاء لا جهار.
وقال مجاهد وابن جريج: أمر أن يذكروه في الصدور. ويؤمر بالتضرع فى الدعاء والاستكانة.
ويكره رفع الصوت والبداء بالدعاء وأمّا قوله: {بالغدو والآصال} فإنه يعني بالبكر والعشيات، واحد الآصال أصيل، مثل أيمان ويمين، وقال أهل اللغة: هو ما بين العصر إلى المغرب {وَلاَ تَكُنْ مِّنَ الغافلين * إِنَّ الذين عِندَ رَبِّكَ} يعني الملائكة والمراد هو عند قربهم من الفضل والرحمة لا من حيث المكان والمعاقبة.
وقال الحسين بن الفضل: قد يعبد الله غير الملائكة في المعنى من عند ربّك جاءهم التوفيق والعصمة {لاَ يَسْتَكْبِرُونَ} لا يتكبرون ولا يتعظمون {عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ} وينزهونه ويذكرونه ويقولون سبحان الله {وَلَهُ يَسْجُدُونَ} يُصلّون.
مغيرة عن إبراهيم: إن شاء ركع وإن شاء سجد.

3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10